بروتوكول الخليل، 15 كانون الثاني 1997

Map Details

جعلت المعارضة لاتفاقية أوسلو "صقور" الساحة السياسية الإسرائيلية (بقيادة الليكود) يشتركون في أجندة الرفض مع عدد كبير من الحركات المتطرفة في إسرائيل. وقد وصف اليمين الإسرائيلي الدور الذي لعبه اسحق رابين في عملية السلام بالخيانة، الأمر الذي حدا بطالب بكلية الحقوق في جامعة تل أبيب إلى إردائه قتيلاً. حاول شمعون بيرس، كرئيس وزراء بالوكالة، التخفيف من حدة ارتباطه بأوسلو، حيث أصدر أوامره باغتيال الناشط في حركة حماس يحيى عياش في غزه في كانون الثاني 1996، وشن هجوماً على لبنان في نيسان من نفس العام؛ وتخلل ذلك قصف أحد الملاجئ التابعة لقوات الطوارئ الدولية في بلدة قانا، أدى إلى مقتل أكثر من 100 مدني. وتركت أعماله العسكرية وغير المجدية إسرائيل تحت مرمى الإدانة الدولية وسلسلة من العمليات (الانتحارية) الاستشهادية الفلسطينية. كما كان من نتائج ذلك أن قلب الناخبون العرب في إسرائيل ظهر المجن لحزب العمل في الانتخابات التالية.

في 29 أيار 1996، تم انتخاب الليكودي بنيامين نتنياهو، رئيساً للوزراء بفارق بسيط عن منافسه العمالي. وقد شكل انتخابه نهاية لأربع سنوات من المنفى السياسي لكبار التوسعيين الإسرائيليين، وأثار الشكوك حول مستقبل عملية السلام. فالانسحاب الجزئي الإسرائيلي من الخليل، الذي كان مقرراً في 28 آذار 1996، تأجل بقرار من شمعون بيرس حتى حزيران من نفس العام. ولكن الحكومة الليكودية الجديدة رفضت حتى الاعتراف بالتاريخ الجديد، واعتبرت عمليات إعادة الانتشار المقررة بموجب اتفاقية أوسلو "خطأً أساسي من أخطاء الحكومة السابقة" . جاء استثناء الخليل من عمليات إعادة الانتشار في العام 1995 تحت ذريعة حماية حوالي 450 مستوطن متطرف، شكل وجودهم في قلب البلدة القديمة واستيلائهم المستمر على أملاك الفلسطينيين مصدر دائم للإشتباك بين الجانبين. وفي شباط 1994، أقدم المستوطن باروخ جولدستاين على ارتكاب مذبحة بحق 29 من المصلين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي. وعلى الرغم من أن لجنة شمجار أشارت إلى دور الجيش الإسرائيلي في المذبحة، ورغم رفض الرأي العام الإسرائيلي للتطرف العنصري الذي يمارسه المستوطنون، إلا أن الحكومة الإسرائيلية ألقت باللوم على السكان الفلسطينيين وقررت أن تعاقبهم: فتم إغلاق الحرم أمام المسلمين منذ ذلك الحين، وتم تقسيم الحرم بشكل يمكن من خلق منطقة يهودية؛ وكثفت من الإجراءات الأمنية المفروضة على الفلسطينيين "كي لا تكون هناك ضرورة لحمل الأسلحة داخل الحرم من جانب اليهود".

وصف بنيامين نتنياهو المستوطنين "بالرواد الحقيقيين ليومنا (الذين) يستحقون الدعم والتقدير". وقد تسبب انتصاره في الانتخابات في جمود عملية أوسلو، ولم يوافق على الالتقاء بعرفات إلا بعد ضغوط من الولايات المتحدة والأمم المتحدة. وفي أواخر أيلول 1996، أمر نتنياهو بافتتاح ما يعرف باسم نفق حشمونئيم الذي يمر تحت ساحات الحرم الشريف، وتسبب في غضب فلسطيني واندلاع اشتباكات، كان مستشاروه الأمنيين قد تنبئوا باندلاعها. وقد سقط في هذه المواجهات ما لا يقل عن 80 شخص في ثلاثة أيام. وفي نفس الشهر، استكملت إسرائيل استعداداتها لعملية "حقل الأشواك" الهادفة إلى استعادة السيطرة على الأراضي الفلسطينية. وفي محاولة منه لإنقاذ عملية أوسلو، دعا الرئيس الأمريكي كلينتون كل من ملك الأردن الحسين بن طلال، وياسر عرفات وبنيامين نتنياهو إلى قمة طارئة في تشرين الأول من نفس العام. وفي نهاية المطاف، عاد نتنياهو إلى طاولة المفاوضات تحت وطأة التأكيدات والحوافز المالية الأمريكية جنباً إلى جنب مع الضغوطات المحلية الناجمة عن وقف حالة التطبيع – المرتبطة بعملية أوسلو – مع بعض الدول العربية.

كان من نتائج بروتوكول الخليل، الذي تم إبرامه في 15 كانون الثاني 1997 استناداً إلى أحكام اتفاقية أوسلو 2 للعام 1995، أن تم تقسيم مدينة الخليل إلى منطقتين: منطقة فلسطينية (H1) وتشكل حوالي 80% من مساحة المدينة، ومنطقة إسرائيلية (H2) تشكل 20% من مساحة المدينة. تخضع منطقة (H2) إلى سيطرة إسرائيلية مطلقة، حيث تسيطر على 20.000 فلسطيني والحرم الإبراهيمي تحت ذريعة ضمان "الأمن" لخمس بؤر استيطانية في المدينة. ومما لا يبشر بالخير أن بروتوكول الخليل جعل مستقبل مدينة يقنطها 120.000 فلسطيني مهدداً بوجود "شرعي" لحوالي 450 مستوطن متطرف مسلح. وفي مقابل هذا التنفيذ المائع لأحد الالتزامات الإسرائيلية واجبة التنفيذ منذ زمن، كان على السلطة الفلسطينية أن تقبل بالتراجع الإسرائيلي عن التزاماتها في كافة الاتفاقيات السابقة، حيث أصبح حجم وتوقيت عمليات إعادة الانتشار مرهوناً بما تقرره إسرائيل. وعلى الرغم من حصول ياسر عرفات على "ملاحظة للعلم" غير ملزمة من الأمريكيين، وتتضمن وعوداً بعمليات إعادة انتشار غير محددة في غضون 15 شهراً، إلا أن نتنياهو قد نجح في وضع العملية التي أرساها اتفاق إعلان المبادئ رهن الاعتقال. ما تبقى من بصيص أمل في "تبادلية" و"تنفيذ متزامن" بقي منذ عهد رابين أخذ يخبو مع توقيع بروتوكول الخليل، الأمر الذي جعل عملية السلام تعتمد برمتها على الأحادية الإسرائيلية والتدخل الدولي.

عقب إبرام الاتفاقية، أعلن نتنياهو أمام الكنيست أن "حكومته ورثت اتفاقية صعبة" وأنه تم الآن "تغييرها بالكامل". ومع تعهده باستغلال "الفترة الزمنية المنصوص عليها في الاتفاقية لتحقيق الأهداف (الإسرائيلية)"، فإن نتنياهو يكون قد ألغى من حساباته أية دولة فلسطينية مستقبلية وتعهد "بالحفاظ على وحدة القدس"، وأصر على "حق اليهود بالاستيطان في أرضهم". بعد ستة أسابيع، أقرت إسرائيل الخطة الاستيطانية الهائلة (E1) الخاصة بالقدس الشرقية، وشرعت في العمل على مشروع مستوطنة هارحوما المثير للجدل على جبل أبو غنيم، وأناطت اللثام عن برنامج لتعزيز الاستيطان بقيمة 16 مليون دولار أمريكي

Related Maps