The Palestine Question in Maps, 1878-2014 (Arabic)

Overview

إن الطرح الدقيق والمسئول للقضية الفلسطينية في إطار مشهدها الراهن وتتطور الأحداث في مسيرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قد شكّل أحد الأهداف الرئيسة للجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية (مؤسسة “باسيا” PASSIA) والعاملين فيها، وبفضل أرشيف موسّع لأعمال معمقة ومستفيضة تعود إلى هذه المؤسسة، وتتناول جوانب وفترات حاسمة من التاريخ الفلسطيني، فقد تكللت جهود الباحثين في هذه الجمعية من إصدار دراسات ومنشورات عديدة طوال العقود الثلاثة الماضية، قدمت من خلالها قضايا جوهرية في المسألة الفلسطينية أرضاً وشعباً وحقوقاً وعلاقات، ويمثل هذا الكتاب “المسألة الفلسطينية: تاريخ وخرائط (1878-2014)”، إضافة مهمة إلى جهد الباحثين في الجمعية ورسالتها الأكاديمية الوطنية...

وبفضل الخرائط الملونة التي تتضمنها هذه الدراسة، فإنها توفر للمهتمين والدارسين دليلاً للمسألة الفلسطينية منذ فترة الحكم العثماني إلى يومنا هذا، وعبر مخاطبة ما يتوضح تدريجياً من أوجه التعقيد الجغرافية والسكانية (الديموغرافية) على مدى الفترة الزمنية التي يستعرضها الكتاب، فإنه يسلط الأضواء على الأبعاد الإقليمية الحقيقية للصراع ومسبباته، وعلى المكائد المتعددة التي تم حبكها على مرور الزمن من أجل تسويته، وقد شكل نشر خرائط واضحة وموثوق بها، وشرح تفاصيل ما تحتويه من معلومات، نشاطاً نادر المثيل عبر العقود، كما أنها كانت تمثل في الماضي تشكيلة محيرة من ممارسات التحزر والتخمين كثيراً ما أفضت إلى حالة من التشويش والإرباك لا داخل المجتمع الفلسطيني فحسب، بل خارج حدود فلسطين أيضاً، بدلاً من تقديم وتحقيق المعرفة والفهم المطلوبين. وعن طريق جمع الخرائط التاريخية والمعاصرة واستعراضها، يقدم هذا الكتاب للباحثين والقراء المعنيين بالأمر فرصة لفهم المضامين الجغرافية والدوافع التي تسير بهديها الجوانب التاريخية والمعاصرة واستعراضها على مدى فترة مائة عام...

وتسجل السلسلة الأولى من الخرائط مسار التاريخ الفلسطيني الحديث بحسب تسلسله الزمني، مع التركيز على السياقات الديموغرافية الرئيسية والمعالم السياسية.إلى جانب تحديد ماهية المقترحات المختلفة التي تم وضعها لغرض التوصل إلى أطروحات وحلول سياسية للقضية الفلسطينية (الفصول 1-3).

وبسبب ما تتمتع به مدينة القدس من أهمية في تشابك التاريخ والجغرافيا في حياة الإنسان على مدى عقود من الزمان، فإن جوهر التاريخ الفلسطيني، وقضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قد تم تدوينه في قسم مخصص ومفصل ومستقل في هذا الكتاب (الفصل الرابع) كما تم مخاطبة قضايا جوهرية أخرى، كالماء واللاجئين بشكل منفرد في فصل مستقل (الفصل الخامس).

ومن المؤمل أن تتمكن النصوص التاريخية المصاحبة للخرائط من تقديم نظرة شمولية موجزة وواضحة، للظروف التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها أن توفر كل خريطة ما لها من خلفية خاصة بها توضح موقعها داخل الإطار العام للتاريخ الفلسطيني، وبفضل جوانبه التكميلية التي تشمل معلومات إحصائية موثوق بها ومصادر ومراجع مفصلة، يسلط النص التاريخي الأضواء على العوامل التي تحدد ما تصوره الخرائط من أبعاد إقليمية.

إن المسألة الفلسطينية في المقام الأول والأخير هي قضية أرض وشعب وحقوق و”صراع” قد لا ينتهي عليها وفيها إلى جانب هوية هذا الشعب على أرض وطنه، وتواصل وجوده عبر الزمن، ولهذا السبب بالذات، فإن وضع تفاصيل دقيقة لسياق التاريخ الفلسطيني، ضمن الإطار الخاص بأبعاده الإقليمية والدولية، وعلى نحو علمي وأمين، لا يعد إجراءاً مواتياً لمن يسعى إلى تحقيق فهم عميق لهذا التاريخ فحسب، بل هو أيضاً خطوة مهمة على طريق استرجاع ومراجعة واعية للذاكرة الوطنية ولتاريخ قضية تم في أغلب الأحيان انتزاعه من سياقه الحقيقي ليوضع في إطار تحالفات ومصالح ومكائد عربية حيناً وأجنبية في معظم الأحيان فرضت عليه من أجل إضعافه وتخفيض سقف طموحاته وحقوقه وأيضاً خلط أوراقه إن لم يكن لإنكار حقوقه واستبدالها لأغراض “تاريخ آخر”!

ويعتبر هذا الكتاب واستمرار تحديثه جزء من النشاط المتواصل لتوثيق التاريخ الفلسطيني الذي تنهض به جمعيتنا، فهو يأتي في أعقاب نشر كتاب “مائة عام من التاريخ الفلسطيني”: سجل للتسلسل الزمني لأحداث هذا التاريخ في القرن العشرين، وغيره من المجلدات التي صدرت ومنها: ثمانية مجلدات بموضوع “وثائق فلسطين” وأربعة مجلدات بموضوع “وثائق القدس”، وعليه فإننا نقدم هذا الجهد المتواضع في طرح تأريخ المسألة الفلسطينية موثق بالخرائط بمسؤولية وأمانة علمية وتقديمها لأجيال فلسطين!

د. مهدي عبد الهادي
القدس